بين القدرة على فهم الرواية وفهم الفلسفة مسافة تطول أو تقصر من شخص لآخر حسب خلفياته وقراءاته ومزاجه القرائي. فبينما يستطيع قارئ الرواية أن يقرأها وهو جالس على أريكة أو مستلقٍ على سرير قبيل النوم، أو حتى في وسيلة نقل عامة، يحتاج القارئ في مجال الفلسفة إلى كثير من الجهد الفكري والتركيز، وربما قدر من الهدوء والانزواء عن الآخرين من أجل استيعاب مفاهيمها.
ولذلك فقد حاول عدد من الكتاب تبسيط الأمر على القراء من خلال الروايات، وهي الجنس الأدبي الذي يستسيغه أكثر الناس. ومن المحاولات الجميلة لذلك رواية (عالم صوفي) التي كتبها الروائي النرويجي جوستاين غاردر، في محاولة ربما لتبسيط المفاهيم الفلسفية.
تتحدث الرواية عن فتاة في الرابعة عشرة من عمرها، تعيش مع والدتها ووالدها المسافر دائمًا، حيث تصلها رسائل من مصدر مجهول تحاول شرح بعض المبادئ والأحداث الفلسفية بأسلوب روائي مبسط، مع بعض الأحداث الروائية. وتتضمن الأفكار الفلسفية المطروحة في الرواية- التي ترجمت إلى عشرات اللغات، وتقع في أكثر من 500 صفحة باللغة العربية- نشأة الفلسفة في الفكر الإنساني في القرن السابع قبل الميلاد إلى عام 1980م، عارضة حتى أفكار الوجودية لجان بول سارتر.
وقد نجح غاردر في رواياته في ترسيخ مفهوم الروايات الفلسفية، حاملًا همَّ تبسيط الفلسفة بوصفها جزءًا من الحياة، حيث واصل ممارسة الأدب جنبًا إلى جنب مع تعليم الفلسفة.
وقد بالغ أحد الفلاسفة حين جعل الكوميديا بابًا لفهم الفلسفة، حيث قام الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك بتأليف كتاب (نكات جيجيك)، أورد فيه عشرات النكات الفلسفية (إلى جانب أخرى سياسية وجنسية)، مصرحًا: إن النكات توفر فرصة كبيرة للفيلسوف للاختصار والتنكر، وقد كانت- ولا تزال- جوهر الفلسفة الجدية.
ومن الروايات الفلسفية الأخرى رواية (ثرثرة فوق النيل) لنجيب محفوظ بدرجة أقل في تناول القضايا الفلسفية، ورواية (الغثيان) للفيلسوف جان بول سارتر.