تُعد مهنة ” النّهام ” من المهن والفنون الغنائية البحرية الأثرية المُندثرة التي مارسها الآباء والأجداد العاملون منذ القدم في مهنة الغوص والصيد في سواحل المنطقة الشرقية المطلة على ساحل الخليج العربي، حيث يُعتبر ” النهام ” أحد الأركان الرئيسية التي يعتمد عليه البحارين طوال رحلة الغوص والتي تمتد إلى أربعة أشهر وعشرة أيام في السنة.
ويتغنى النهامُ طوال رحلة الغوص وصيد الأسماك بالعديد من المواويل والترانيم والاستهلالات والأدعية والابتهالات والتي تسمى بـ ” النهمة ” من دون استخدم الآلات الموسيقية، وذلك بهدف بعث الحماس في نفوس البحارة، وتحفيزهم، وتشجيعهم على العمل وبذل الجهد للعودة الغانمة لأهلهم باللؤلؤ والأسماك اللذان يعدان مقصدهم من الرحلة.
وأوضح النهام سعد أبو السعود أن هذه المهنة من المهن القديمة المندثرة في المنطقة الشرقية، والتي تم الاستغناء عنها نظراً للتطور الحالي في مراكب الصيد المزودة بالتقنية الحديثة والدقيقة، ووجود وسائل صيد متطورة أدت إلى الاستغناء عن الوسائل القديمة.
وفي حديثه عن المهنة بيّن أبو السعود أنه اكتسبها من أجداده الذين عملوا في صيد البحر واستخراج اللؤلؤ في ساحل الخليج العربي، حيث يقوم النهام بالتغني بالنهمات في كافة مراحل رحلة الصيد، مشيراً إلى أنه توجد نهمات خاصة لوقت تجهيز مركب الصيد والمعروف بـ ” اللنش ” بالأدوات التي يحتاجها الصيادون وذلك لشحذ هممهم وعزيمتهم، ونهمات خاصة لوقت فتح أشرعة المركب للانطلاق داخل البحر، ونهمات خاصة لوقت الغوص وشد الحبال للغواصة ورفع البحارة من عمق البحر، إضافة إلى نهمات خاصة لوقت استراحة الصيادين فوق سطح السفينة.
وأضاف أن النهام سابقاً يتقاضى أجراً عالياً ويتم اختياره بشكل دقيق وبمواصفات رئيسية بأن يكون قوي البنية الجسمانية كي يتحمل الصعوبات والأمواج العاتية وسط البحر، إضافة إلى صوته الشجي والذي يهون بأهازيجه ونهماته على البحارة من عناء مهنتهم، حيث إن فن النهام يمتاز من الفنون الأدائية البحرية التي عرفها أهالي المنطقة الشرقية بشكل الخاص، حيث تعزز من عمق ارتباط هذا الفن بتاريخ الحياة البحرية، وإبراز القيمة الفنّية العالية الكامنة في ألوان فن النهمة المختلفة، وأشعاره، وطرق الأداء المتنوعة فيه.
من جانبه أشار النهام محمد السنونة إلى أن عشقه لدخول البحر وصيد الأسماك واستخراج اللؤلؤ اكتسبه تعلم مهنة النهام والتي تُذكره بحياة البحّارة الذين عمل معهم في سواحل الخليج العربي، مبيناً أن البحر يمثّل مورداً اقتصادياً رئيسياً لغالبية سكان مدن سواحل المنطقة الشرقية ودول الخليج العربي.
وأفاد أن عمل النّهام يتمحور في شحذ همم البحّارة وتخفيف أعباء رحلة الصيد والغوص عنهم من خلال التغني بالأهازيج والأشعار المغنّاة المتنوعة ايقاعاتها والتي تؤدى في جميع مراحل رحلة الصيد والعودة إلى بر الوطن، مشيراً إلى أن أبرز مواويل النهام هي إيقاع ” يامال ” والذي يتغنى به النهام للتعبير بما يجيش في صدور البحارة من الألم والحزن لفراق الأهل والأحبة والتعبير عن الشوق واللهفة للالتقاء بهم، إضافة إلى إيقاع موال “الخطفة” والذي يتغنى به وقت رفع أشرعة السفينة لإبحارها داخل البحر، وموال ” الحدادي ” الذي يتغنى به النهام والبحارة بعد الفراغ من أعمال الصيد والغوص بهدف إضفاء نوع اللهو والمرح بين البحارة في المركب.