في زمنٍ تتسارع فيه المعارف، وتكثر فيه التحديات ، لم يعد التدريب مجرد محطة لالتقاط المهارات أو اكتساب بعض الأدوات التقنية، بل غدا مسارًا تحويليًا يعيد تشكيل العقلية، ويصوغ الفكر، ويستنبت في الإنسان معنى جديدًا للوجود المهني.
لم يعد المتدرب ذلك المتلقي الصامت الذي يحضر جلسة تدريبية ليخرج منها بمذكرة أنيقة وبعض الشرائح اللامعة، بل أصبح شريكًا في التجربة، وفاعلًا في التحول، وصانعًا لقيمته الداخلية. التدريب اليوم ليس فعلاً مضافًا، بل فعلًا محوريًا في هندسة الذات المهنية، وتكوين الشخصية القيادية، وتجديد للرؤية والرسالة تجاه العمل الذي يقوم به.
إن التدريب التحويلي لا يكتفي بترقية الأداء، بل يسعى إلى إعادة تعريف المفاهيم، وكسر الأنماط الجامدة، وزرع التساؤلات الذكية التي تحرّك في النفس نهمًا للتعلّم المستمر، وتفتح مدارك جديدة نحو التغيير. هو ذاك النوع من التدريب الذي لا يستحي أن يصطدم بالمعتقدات المهنية السائدة إذا ما ثبت عجزها عن مواكبة العصر، ولا يتردد في نسج عقول جديدة بلغة جديدة.
ولأن العقلية هي مرآة السلوك، فإن التدريب التحويلي ينفذ إليها برفق، يغرس الإلهام قبل المعلومة، ويبعث الحماسة قبل المهارة، ويرفع منسوب الوعي قبل أي أداة تطبيقية. هو تدريب يلامس الروح لا اليد، يوقظ في القلب إحساس الانتماء قبل أن يوجّه نحو المهام.
في المؤسسات التربوية والتعليمية، نحن اليوم بحاجة إلى هذا النوع من التدريب:
تدريب يعيد تشكيل علاقة القائد بفريقه، والمعلم بطلبته، والإداري برسالته.
تدريب لا يتوقف عند حدود “ماذا أفعل؟”، بل يمتد إلى سؤال أعمق: “لماذا أفعل؟”
وهنا يكمن الفرق الجوهري بين التدريب التقليدي والتحويلي: الأول يغيّر الأفعال، والثاني يغيّر القناعات.
إننا في زمن لا يكفي فيه أن نكون “أكثر كفاءة”، بل ينبغي أن نكون أكثر وعيًا، أكثر مرونة، أكثر فهمًا للغد. والتدريب التحويلي هو مفتاحنا إلى ذلك الغد، ليس لأنه يضيف إلينا أدوات جديدة، بل لأنه يعلّمنا كيف نُعيد استخدام أدواتنا القديمة بعيون جديدة، وعقول أوسع، وأرواح مؤمنة بأن التغيير يبدأ من الداخل.