وردتني أسئلة كثيرة من أولياء الأمور حول كيفية اكتشاف الموهبة لدى أبنائهم ؟ ، و ما هي أنواع المواهب التي يمكن أن يكتشفونها في أبنائهم ؟
و من هذه الأسئلة ينبغي ربط مفهوم الموهوب المعتمد في المملكة بواقع تطبيق برامج الموهوبين ، حيث يتم تعريف الطالب الموهوب بأنه هو الذي يوجد لديه استعداد أو قدرة غير عادية أو أداء متميز عن بقية أقرانه في مجال أو أكثر من المجالات التي يقدرها المجتمع، وخاصة في مجالات التفوق العقلي والتفكير الابتكاري، والتحصيل الأكاديمي، والمهارات والقدرات الخاصة ، ويحتاج إلى رعاية تعليمية خاصة لا تستطيع المدرسة تقديمها له في منهج الدراسة العادية .
و من خلال تحليل التعريف السابق نستخلص بعض النقاط الآتية :
1 – أن يكون الطالب الموهوب متميز عن زملائه الذين في نفس عمره في أحد المجالات ، مثل أن يكون لديه قدرة عالية جدا في مجال الرياضيات يتفوق فيها عن زملائه الذين في عمره بشكل واضح .
2 – أن الموهبة يمكن ان تكون في مجال واحد مثل مجال الابتكار ، و يمكن أن تكون في مجالين مثل مجال الابتكار و مجال برمجة الذكاء الصناعي .
3 – أن الموهبة يجب أن تكون في المجالات التي يقدرها المجتمع ، بمعنى أن تكون هذه الموهبة تلقى تشجيع و تحفيز من المجتمع مثل موهبة البحث العلمي أو موهبة كرة القدم أو موهبة الرسم أو موهبة التمثيل أو موهبة البرمجة في الذكاء الصناعي أو موهبة الابتكار .
4 – أن رعاية الموهبة قد تكون داخل المدرسة و قد تكون خارج المدرسة في أحد مراكز رعاية الموهبة أو في داخل الأسرة ، لكن المهم أن يكون برنامج الرعاية الذي يتلقاه الطالب الموهوب هو البرنامج التعليمي الصحيح المتخصص لرعاية موهبته .
و الان دعونا نربط النقاط السابقة مع واقع تطبيق برامج الموهوبين الحالية ، وذلك من أجل تعريف أولياء الأمور في محكات اكتشاف مواهب أبنائهم:
1 – المحك الأول ( القدرة الكامنة ) : أو الموهبة الموروثة ، أو طاقة الموهبة الكامنة ، و التي تقاس بمقاييس القدرات العقلية ، و بعد ربط هذا المحك مع واقع برامج الموهوبين الحالية نجد أن مقياس القدرات العقلية المعتمد حاليا هو ( اختبار مقياس موهبة ) و الذي ينتج عنه اجتياز الطالب و تصنيفه رسميا بأنه موهوب و أن لديه قدرة عقلية فائقة يستحق هذا الطالب بموجبه أن يلتحق في برامج رعاية الموهوبين الإثرائية على حسب المجال الذي يختاره و يميل إليه .
2 – المحك الثاني ( المنتج الإبداعي ) : و هو الطالب الموهوب الذي لديه بحث علمي متميز بفكرة علمية جديدة ، أو الطالب الموهوب الذي لديه ابتكار بفكرة إبداعية جديدة ، و لا يشترط فيه ” اختبار مقياس موهبة ” ، و بعد ربط هذا المحك مع واقع برامج الموهوبين الحالية نجد أن مسابقة الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي ” إبداع ” هي أحد المسابقات المعتمدة في رعاية و تشجيع الطلاب الموهوبين على المنتج الإبداعي سواء بحث العلمي أو ابتكار ، أو مسابقة الروبوت ، و يميز الطالب هنا بأنه موهوب عندما يشارك بمنتجه الإبداعي في هذه المسابقات و قد حقق فيها مراحل متقدمة أو الفوز بجوائز كبرى أو الفوز بجوائز دولية .
3 – المحك الثالث ( الموهبة الأكاديمية ) : و هو الطالب الموهوب الذي لديه سرعة كبيرة في فهم و استيعاب المقررات الدراسية مقارنة بزملائه في الصف الدراسي ، مثال ذلك بعد مضي شهر من بداية العام الدراسي نجد أن طلاب الصف الرابع الابتدائي قد أكملوا عشرة دروس في مقرر الرياضيات و خمسة دروس في مقرر العلوم ، لكن نجد هذا الطالب الموهوب في نفس الصف الرابع قد أكمل و استوعب جميع دروس مقرر الرياضيات و مقرر العلوم بقدرة فائقة و بتميز عالي و هو مازال في بداية العام الدراسي ، لذلك نجد هذا الطالب يجلس في حصص الرياضيات و العلوم بصمت و هو يحس بالفراغ الكبير لمدة عام دراسي كامل بسبب أن موهبته الأكاديمية جعلته يسبق زملائه في فهم و استيعاب دروس هذه المقررات من دون أن يشرح له المعلم ، و بعد ربط هذا المحك مع واقع برامج الموهوبين الحالية نجد أن البرنامج الذي يؤكد تميزه كموهبة أكاديمية هو اجتيازه لبرنامج التسريع الأكاديمي حيث يتم تسريع الطالب الذي لديه موهبة أكاديمية من الصف الرابع الى الصف السادس ، أو يتم تسريعه من الصف الأول المتوسط إلى الصف الثالث المتوسط ، و يعتبر ” اختبار مقياس موهبة ” شرطا أساسيا لدخول الطالب في برنامج التسريع .
4 – المحك الرابع ( الأداء المتميز ) : و هو الطالب الذي لديه مهارة خاصة فائقة في مجال معين و قد تميز في أدائها ، و لا يتطلب فيه وجود منتج إبداعي و لا يشترط فيه اختبار القدرات العقلية ” اختبار مقياس موهبة ” ، و بعد ربط هذا المحك مع واقع برامج الموهوبين الحالية نجد أن البرامج التي ترتبط بالأداء المتميز هي مسابقة موهوب حيث يكون فيها الأداء المتميز للطالب في مجال الرياضيات أو في مجال العلوم أو في مجال الكيمياء أو في مجال الأحياء ، أو في مسابقة بيبراس للمعلوماتية أو في مسابقة الكانجارو للرياضيات ، و يقاس الأداء هنا كموهبة متميزة لدى الطالب الذي شارك في هذه المسابقات و قد وصل بأدائه المتميز إلى مراحل متقدمة أو حقق جائزة كبرى محليا أو حقق جائزة دولية .
و من هنا تأتي الأسئلة التالية من أولياء الأمور حول محكات اكتشاف الموهوبين :
السؤال الأول : هل ممكن أن يكون ابني موهوب في جميع المجالات التي يقدرها المجتمع ؟
الإجابة : لا ، لأنه من الممكن أن يكون الطالب الموهوب متميز في مجال واحد مثل البحث العلمي أو متميز في مجالين مثل مسابقة البحث العلمي و مسابقة الفيزياء ، أو حتى ثلاثة مجالات ، لكن لا يمكن أن يكون موهوب في جميع المجالات ، و حتى لو شارك في جميع المجالات فإنه سوف يصاب بالتشتت الكبير و إهدار لطاقته و بالتالي فإن مستوى إبداعه سوف يكون قليل و لن يحقق إنجازات كبيرة و سوف تتراجع موهبته إلى الحد الأدنى ، فالأفضل أن يركز الطالب الموهوب في تميزه على مجال واحد أو مجالين أو ثلاثة مجالات بحد أقصى ، حيث تتضح هنا حقيقة الجهد في كل مجال ، فالطالب لكي يكون موهوبا و متميزا في أحد المجالات فأنه يستهلك وقتا و جهدا كبيرين من التدريب و التطوير لتنمية موهبته في هذا المجال .
السؤال الثاني : بالنسبة للطالب المتفوق دراسيا و لديه تحصيل علمي مرتفع جدا هل يعتبر موهوبا ؟
الإجابة : ترتبط الموهبة لدى الطالب ( بالإبداع ) و ليس بالتحصيل الدراسي ، و الأصل في الإبداع أنه ليس له حدود في التميز و ليس له حدود في الإنتاج المعرفي ، فالإبداع يطلب من الموهوب أن يصمم بحثا علميا أو أن يصمم ابتكارا أو أن يصمم تطبيق الكتروني تكون فكرته و نتائج تجاربه فريدة و غير مسبوقة على مستوى العالم ، كما يطلب الإبداع من الموهوب أن ينافس بمهارته و أدائه المتميز أعلى مستوى من التحدي في مسابقات الرياضيات أو العلوم أو الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء أو المعلوماتية أو القراءة لكي يحقق مراحل متقدمة و جوائز كبرى على مستوى العالم .
فالطالب المتفوق دراسيا : هو الذي تحصيله الدراسي مرتفع في المقررات الدراسية ، و لا يعتبر موهوبا أبدا .
و لكي يصنف الطالب المتفوق دراسيا على أنه موهوب لا بد أن يحقق ( إبداعا ) و تميزا في أحد محكات الاكتشاف ( الموهبة الكامنة : اختبار مقياس موهبة ، أو الموهبة الأكاديمية ، أو المنتج الإبداعي ، أو الأداء المهاري المتميز ) في أحد المجالات التي يقدرها المجتمع .