يُقبل أحدنا على القراءة بشغف كبير طمعًا في الحصول على مبتغى في نفسه؛ فيفرح مرة ويحزن أخرى، وقد يُدهَش ثالثة، ويتوقف متأملًا رابعة، ويعيد القراءة خامسة، ويشم الكتاب ويقبّله سادسة. وقد يستمر في القراءة سنوات متماهيًا مع ما يقرأ ومصفقًا لما بين دفتي كل كتاب، حتى تأتي تلك اللحظة التي يخفف فيها من اندفاعته تجاه نص ما ويبدأ بتفحصه وغربلته.. وتلك هي اللحظة المنشودة التي قد تشكل هدف القراءة.
أن تقرأ لكي تصدق كل شيء فذلك مرفوض، لأن الأصل هو التوقف عند كل نص، وتأمله، وإعادة قراءته، والتفاعل كيميائيًّا مع ما سبق أن قرأته في ظروف خاصة وبوجود عوامل مساعدة. تلك هي لحظة الحقيقة في التعامل مع النصوص؛ أن تقرأ وتتفكر وتناقش في نفسك وربما مع غيرك، ثم تنقد، وقد تعارض، ثم أخيرًا قد تكتب مناقشًا تلك النصوص.
ولا يمكن أن يصل القارئ إلى هذه النقطة إلا بعد جملة من التراكمات القرائية على مدى زمني يطول أو يقصر اعتمادًا على قدرات القارئ ومستوى تفاعله مع النصوص، وجرأته في التعامل معها، وتوفر المناخ المناسب للتفاعل.
ومع تنامي أعداد القراءات وتنوع مجالاتها، وحصول درجة من التراكم المعرفي، تزداد الذائقة القرائية نضجًا يصبح معها القارئ أكثر انتقائية في اختيار الكتب والسؤال عنها قبل البدء بقراءتها، مع مرونة في التوقف عن إتمام أي كتاب لا يتناسب مع ذائقته أو لا يرقى إلى مستواه. كما قد تنمو لديه إلى جانب ذلك قدرات من نوع آخر – تُنم عن نموٍ في ذائقته القرائية – منها القدرة على النقد وتمييز الكتب وتصنيف مستوياتها. وأخيراً لا ينبغي أن يقف أمام هذه القدرات أمور من قبيل الشخصيات اللامعة أو كاريزما الكتّاب أو ارتفاع مبيعات كتاب ما.
*تذوقي للقراءة خلال أيام رمضان كان أعمق بكثير من باقي شهور السنة. نجيب محفوظ
منصة X: yousefalhasan