يعيش العالم اليوم مرحلةً فارقة في التاريخ الإنساني، تتجسد في نشوء جيل جديد تربى في ظل التحول الرقمي المتسارع، والانفتاح غير المسبوق على المعرفة والمعلومات والثقافات المختلفة. هذا الجيل الذي يُعرف باسم جيل “زد” (Generation Z) يمثل اليوم شريحة واسعة من سكان العالم، وهو القوة البشرية التي ستقود الاقتصاد والسياسة والثقافة خلال العقود القادمة.
لكن من هو جيل “زد”؟ وما أبرز سماته النفسية والاجتماعية؟ وما التحديات التي يواجهها في عالمٍ يتغير بسرعة تفوق قدرة الأفراد والمجتمعات على التكيّف.
جيل زد generation Z، هم الأشخاص الذين ولدوابين 1997 و2012، والذين يُشكلون اليوم قلب الطموحالسعودي. في المملكة، يُطلق عليهم أحيانًا “جيل الرؤية”،لأنهم نشأوا مع إطلاق رؤية 2030 في 2016، تلكالخطة الطموحة التي تحلم بمجتمع حيوي واقتصادمزدهر. هؤلاء الشباب، الذين يُشكلون حوالي 30% منسكان المملكة (أكثر من 10 ملايين شخص)، هم المحركالحقيقي للتغيير، يحملون أحلامًا كبيرة وتحديات لا تقلعنها.
نظرة على الأجيال عالميًا وسعوديًا
كل جيل يحمل بصمته الخاصة، مشكّلة بالأحداث التيعاشها. عالميًا، يُقسم علماء الاجتماع الأجيال بناءً علىالتغيرات التاريخية والتكنولوجية الجيل الصامت (1928-1945) عاشوا الحروب والكساد الاقتصادي، فأصبحواصلبين ومخلصين للعمل التقليدي. جيل الطفرة (1946-1964) استمتعوا بازدهار ما بعد الحرب، وركزوا علىالأسرة والاستقرار. جيل إكس (1965-1980) عرفوابدايات الحواسيب، فكانوا مستقلين ويبحثون عن التوازنبين العمل والحياة. جيل الألفية (1981-1996) تبنواالإنترنت، وفضلوا التجارب على الممتلكات، لكنهم واجهواأزمات اقتصادية. جيل زد (1997-2012)، وهم أبطالقصتنا، هم “الرقميون الأصليون”، يشكلون 32% منسكان العالم، ويتوقع أن يكونوا 27% من القوى العاملةبحلول 2025، مع شغف بالبيئة والصحة النفسية، أماجيل ألفا (2013-الآن)، فهم أطفال اليوم الذين ينشأونمع الذكاء الاصطناعي، ويُنتظر أن يغيروا قواعد اللعبة.
في السعودية، يتطابق هذا التقسيم مع الواقع العالمي،لكنه يحمل نكهة محلية. جيل زد، الذي يُمثل حوالي 10 ملايين شخص، يعيش في ظل تحولات رؤية 2030، التيتُعزز التعليم الرقمي والريادة. يختلفون عن الأجيالالسابقة بتركيزهم على الابتكار والاستدامة. على سبيلالمثال، يُظهر تقرير من وزارة الثقافة (2022) أن 70% منهم يعتمدون على منصات رقمية للتعلم الذاتي، ممايجعلهم قوة دافعة للاقتصاد الجديد. هذا الجيل، بطموحهومهاراته، يُشكل جسراً بين التراث والمستقبل، وهو مايجعله شريكًا أساسيًا في الرؤية.
جيل زد: شباب يحلمون بمستقبل أفضل
جيل زد يعيشون في عالم رقمي، لكنهم يحملون قلباًنابضاً بالطموح والإبداع. لديهم سمات تجعلهم مميزين:
1• التأقلم مع التكنولوجيا
يُعد جيل زد الأكثر مهارة في استخدام التكنولوجيا،مما يمكّنهم من استغلال المنصات الرقمية لخلق فرصاقتصادية. يشاركون في الاقتصاد التشاركي، مثلالعمل الحر عبر منصات مثل Upwork، ويستخدمونالتطبيقات المالية لإدارة أموالهم بذكاء.
2• الوعي المالي المبكر
يُظهر جيل زد وعيًا ماليًا استثنائيًا، فهم أكثر حذراًوتقديراً للاستقرار المالي من الجيل السابق. حيثيبدأون التخطيط المالي في سن مبكرة. يهتمونبالادخار والاستثمار، ويستخدمون أدوات مثلتطبيقات الاستثمار الصغير (Micro-investing) لتنمية مدخراتهم، مما يعزز استقرارهم المالي.
3• دعم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية
يفضل جيل زد دعم العلامات التجارية التي تتبنى قيمالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية. أكثر من 60% منهم يختارون منتجات صديقة للبيئة، مما يدفعالشركات لتبني ممارسات أكثر استدامة، ويعززالاقتصاد الأخضر.
4• الابتكار وريادة الأعمال
يتميز جيل زد بروح ريادية قوية، حيث يطلق العديدمنهم مشاريع تجارية صغيرة باستخدام وسائلالتواصل الاجتماعي. يستفيدون من منصات مثلInstagram وTikTok لتسويق منتجاتهم، مما يخلقمصادر دخل جديدة. الكثير من أفراد جيل “زد” لايرون في الوظيفة التقليدية حلمًا نهائيًا.هم يفضلونالعمل الحر (Freelance) أو تأسيس مشاريعصغيرة، مستفيدين من الأدوات الرقمية التي تمكنهممن العمل من أي مكان. كما أن لديهم حسًا رياديًامتطورًا، ورغبة في تحقيق مشاريعهم في سن مبكرة.
5• التأثير على اتجاهات السوق
بفضل قوتهم الشرائية المتزايدة، يُعيد جيل زد تشكيلالأسواق من خلال تفضيلاتهم الفريدة. يركزون علىالتجارب بدلاً من المنتجات المادية، مثل السفروالفعاليات، مما يحفز نمو قطاعات جديدة. هذهالإيجابيات تجعل جيل زد قوة اقتصادية ديناميكية،قادرة على قيادة التغيير والابتكار.
6. التنوع والانفتاح
جيل “زد” أكثر انفتاحًا على الثقافات المختلفة، وأكثر قبولًا للتنوع في الجنس والعرق والدين والميول الفكرية. الانترنت جعلهم “مواطنين عالميين”، يتفاعلون مع أشخاص من كل بقاع الأرض، ويتأثرون بالاتجاهات العالمية بسرعة مذهلة
رؤية 2030: الصديقة التي تُحقق الأحلام
رؤية 2030 ليست مجرد خطة اقتصادية، بل حلم كبيريضع الشباب في صميمه. إنها بمثابة صديق يمد يدالعون لجيل زد، يُقدم لهم الأدوات ليبنوا مستقبلهم.إليكمالنقاط الرئيسية:
1• إيجابيات جيل زد في الرؤية
يتميز جيل زد بمهارات رقمية عالية وروح ريادية، ممايدعم تحقيق أهداف الرؤية. يتبنون التكنولوجيا والذكاءالاصطناعي، ويساهمون في الاقتصاد الأخضروالمسؤولية الاجتماعية.
2• فرص العمل والتدريب
توفر الرؤية فرص عمل في قطاعات السياحة، الترفيه،والطاقة المتجددة، مع برامج تدريب في الأمنالسيبراني والعلوم الحياتية، مما يقلل البطالة ويعززالاستقلال المالي للشباب.
3• مشاريع رؤية 2030
تشمل المشاريع مدينة نيوم الذكية، مشروع البحرالأحمر للسياحة المستدامة، وقدية كمركز ترفيهي. كماتدعم سعودة الوظائف وصندوق الاستثمارات العامةالمشاريع الصغيرة والشركات الناشئة.
4• آفاق المستقبل
يتيح الاقتصاد الرقمي وبرامج التعليم العالمية لجيل زدفرصًا واسعة. يمكنهم قيادة الابتكار، بناء اقتصادمرن، والمساهمة في تحقيق الاستدامة الاقتصاديةوالاجتماعية.
لكن، ماذا عن التحديات؟
الحياة ليست دائمًا وردية، وجيل زد يواجه تحدياتوعقبات، منها:
1. أزمة الهوية والانتماء
يعاني العديد من أفراد هذا الجيل من صعوبة في تحديد هويتهم. الانفتاح المفرط على الثقافات جعل الانتماء الوطني أو الديني أو الاجتماعي أقل وضوحًا، وأصبحوا يعيشون في فضاء متداخل من القيم المتناقضة. وهذا أدى إلى زيادة في مشاعر القلق والاغتراب الداخلي.
2-أزمة القيم الجديدة والعلاقات المتحوّلة
العلاقات الاجتماعية والعاطفية لدى جيل Z تختلف جذرياً عما عرفته الأجيال السابقة. فهم يؤمنون بالاستقلالية الفردية، ويمنحون الأولوية للحرية الشخصية على الالتزامات التقليدية. كما أن مفاهيم الصداقة والحب لديهم باتت تتشكل عبر الفضاء الافتراضي أكثر مما تتجذّر في الحياة الواقعية.
القيم الأخلاقية والاجتماعية أيضاً تشهد تحولاً. فبينما يظهر كثير من شباب هذا الجيل نزعة قوية نحو التسامح واحترام الآخر، يلاحظ في الوقت نفسه انحسار القيم الأسرية الكلاسيكية، وضعف الروابط العائلية. ومع تعدد مصادر المعرفة، أصبحت المرجعية الفكرية لدى الجيل مشتتة، تتأثر بما هو رائج أكثر مما هو ثابت، وهو ما يطرح أسئلة حول ثبات الهوية القيمية في المستقبل. فقيم هذا الجيل عموماً تعاني من سيولة وتبدل حسب الظروف ،عكس الأجيال التي سبقته والتي نشأت في ظل قيم ثابتة وصلبة نسبياً.
3. الاضطرابات النفسية والقلق الرقمي
تشير الدراسات الحديثة إلى أن جيل “زد” هو الأكثر عرضة للاكتئاب والقلق مقارنة بالأجيال السابقة. السبب في ذلك يعود إلى ضغوط الحياة الافتراضية، مثل المقارنة المستمرة بالآخرين، والسعي وراء الإعجابات والمتابعين، والخوف من فقدان التواصل (FOMO).كما أن العزلة الاجتماعية الناجمة عن الاعتماد المفرط على الشاشات، فاقمت من مشكلات الصحة النفسية.
4. التحديات التعليمية والمهنية
على الرغم من ذكائهم التقني، إلا أن جيل “زد” يواجه صعوبة في التركيز والانضباط بسبب تسارع الإيقاع الرقمي. أنظمة التعليم التقليدية لا تواكب طرق تعلمهم القائمة على التفاعل البصري والتجربة العملية. وفي سوق العمل، يواجهون منافسة شديدة في ظل التحول نحو الأتمتة والذكاء الاصطناعي، مما يفرض عليهم اكتساب مهارات جديدة باستمرار.
5. ضعف العلاقات الإنسانية الحقيقية
وسائل التواصل الاجتماعي قربت المسافات افتراضيًا لكنها أضعفت التواصل الإنساني المباشر.أفراد جيل “زد” يعانون أحيانًا من ضعف المهارات الاجتماعية وصعوبة بناء علاقات عميقة ومستقرة. التواصل عبر الشاشات لا يمنحهم الإحساس الكامل بالدعم العاطفي الذي يحتاجه الإنسان بطبيعته.
6. المخاطر المعلوماتية والتضليل الرقمي
جيل “زد” يعيش وسط فيض من المعلومات، لكنه لا يمتلك دائمًا القدرة على التمييز بين الحقيقة والزيف. انتشار الأخبار المضللة ونظريات المؤامرة، بالإضافة إلى تأثير خوارزميات المنصات، يجعلهم عرضة لتشكيل قناعات غير دقيقة أو متطرفة.
بعد ذكر التحديات. يمكن إيجاز بعض الحلول المقترحة التي يمكن تطبيقها في سبيل التقليل من آثارها:
خاتمة: معًا نحو 2030
جيل زد ورؤية 2030 هما وجهان لعملة واحدة: طموحيلتقي بالفرص. الرؤية تُعطي الشباب أجنحة ليحلقوا،بينما يضيفون إليها شغفهم وإبداعهم. لكن النجاحيحتاج إلى دعم مستمر، خاصة في الصحة النفسيةوالتعليم. إذا واصلنا تمكين هذا الجيل، فإن 2030 لنتكون مجرد خطة، بل واقعًا يعيشه شباب يؤمنون بأنالمستقبل يبدأ من اليوم.