د. عرفات المرزوق‎ تكتب: الرواية الجماهيرية في الأدب السعودي.. من نخبويّة الظل إلى صدارة المشهد

1 تعليق
د. عرفات المرزوق‎ تكتب: الرواية الجماهيرية في الأدب السعودي.. من نخبويّة الظل إلى صدارة المشهد
دكتور عرفات المرزوق
https://wahhnews.com/?p=84607
د. عرفات المرزوق‎ تكتب: الرواية الجماهيرية في الأدب السعودي.. من نخبويّة الظل إلى صدارة المشهد
الواحة نيوز

شهدت الرواية السعودية، خلال العقود الأخيرة، تحولًا جذريًا في بنيتها وجمهورها وخطابها، حين انتقلت من ‏الهامش النخبوي إلى دائرة الضوء الجماهيري، لتصبح ظاهرة أدبية وثقافية واجتماعية لا يمكن إغفال أثرها أو ‏تجاهل تداعياتها. لقد لمعت أسماء، وتصدّرت عناوين، وازدادت إصدارات، حتى باتت الرواية الجماهيرية مرآة ‏صاخبة تعكس ما يختلج في المجتمع من تناقضات وهموم وأحلام مؤجلة‎.‎

ولادة الظاهرة وتحولاتها
على الرغم من أن بدايات الرواية السعودية ترجع إلى ثلاثينيات القرن الماضي، إلا أن الذيوع الشعبي الحقيقي ‏لم يبدأ إلا في تسعينياته، عبر ثلاثة أعمال مفصلية أحدثت رجّة في المشهد الأدبي‎: ‎الرياض نوفمبر 1990م لسعد ‏الدوسري، شقة الحرية لغازي القصيبي، وثلاثية أطياف الأزقة المهجورة لتركي الحمد‎.‎
كل عمل من هذه الثلاثة أحدث تحوّلًا فريدًا: فـ الرياض نوفمبر 1990م كسرت حاجز الجرأة في تناول القضايا ‏الحساسة، وشقة الحرية شكّلت نقطة مفصلية في تغيير طبيعة جمهور الرواية، بينما مثّلت أطياف الأزقة المهجورة ‏ذروة الرمز للرواية الجماهيرية بجرأتها ومضامينها‎.‎

العوامل المحفزة للانتشار
جاءت هذه النهضة في الرواية الجماهيرية في سياق اجتماعي متقاطع مع تحولات إعلامية وثقافية عميقة، ‏أبرزها: انتشار “الشريط الإسلامي”، وانفتاح المجتمع على “الفضائيات”، ثم الانفجار الكبير الذي أحدثه دخول ‏الإنترنت. لقد وفّرت هذه الوسائط بدائل خطابية وأدوات جديدة لاكتشاف الذات والتعبير عنها، وخلقت مناخًا تراكميًا ‏ساعد في احتضان الرواية الجماهيرية وتوسيع قاعدتها‎.‎

من النخبة إلى العامة: الرواية بوصفها حدثًا اجتماعيًا
الرواية الجماهيرية، في طابعها العام، لم تكتف بعرض القصة، بل أصبحت بحد ذاتها “حدثًا”، يثير الجدل، ‏ويشعل الحوار، ويضع المجتمع أمام مرآة تعكس ما يُقال همسًا. لقد انحازت هذه الروايات إلى كشف المسكوت ‏عنه، وإثارة الأسئلة الحادة حول الدين، والسياسة، والجنس، والهوية، وأصبحت في كثير من الأحيان أداة صدامية ‏أكثر منها فنًا أدبيًا رصينًا‎.‎

غير أن هذا التحوّل لم يكن دون ثمن؛ إذ تراجعت في كثير من الحالات القيمة الفنية أمام الجاذبية الجماهيرية، ‏فاختلطت السيرة الذاتية بالإبداع، وغابت الحدود بين أدب الرواية وتوثيق المذكرات، وأصبح الإثارة مقياسًا للجودة‎.‎
إسهامات الرواية الجماهيرية

رغم ما شابها من انتقادات، فإن الرواية الجماهيرية ساهمت في إعادة تشكيل علاقة المجتمع بالكتاب، ورفعت ‏من معدلات القراءة، وأعادت الحياة للصحافة الثقافية، ووسعت هامش حرية التعبير. كما أنها أدّت دورًا غير مباشر ‏في التمهيد لكتابات أكثر جرأة وعمقًا على المستوى الفكري والاجتماعي، وسجلت تحولات المجتمع السعودي في ‏لحظة زمنية شديدة الخصوصية‎.‎

ختاماً
لقد أعادت الرواية الجماهيرية تشكيل المشهد الأدبي في المملكة العربية السعودية، وتحوّلت من عمل سردي ‏إلى ظاهرة ثقافية. وبين مؤيد يرى فيها فتحًا جديدًا، ومنتقد يرى فيها تهديدًا للذائقة الأدبية، يبقى المؤكد أن هذه ‏الروايات استطاعت أن تقول ما عجزت النخب عن قوله، وأن تخلق جمهورًا جديدًا يتفاعل، ويقرأ، وينتقد‎.‎
إنها مرحلة سردية حافلة بالضجيج، لكنها في ذاتها تشكل خطوة في طريق النضج الثقافي العام، تستحق الدراسة ‏والتأمل، لا التجاهل أو التبخيس.‏

التعليقات (١) اضف تعليق

  1. ١
    للتوضيح

    د/ عرفات المرزوق ترى مش. من القارة
    يمكن يمكن من القطيف او سيهات

اضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>