بكر عبدالله العبدالمحسن يكتب: دراما الشخصيات التأريخية فوق المجهر وتحت الرماد

التعليقات: 2
بكر عبدالله العبدالمحسن يكتب: دراما الشخصيات التأريخية فوق المجهر وتحت الرماد
https://wahhnews.com/?p=74446
بكر عبدالله العبدالمحسن يكتب: دراما الشخصيات التأريخية فوق المجهر وتحت الرماد
الواحة نيوز

عملية المُعالجة الدرامية في الأعمال التلفزيونية للشخصية التأريخية لا تخلو من الإشكالية، فقد تُوَظف وُفق الأهواء والاتجاهات التي أصبحت مصدر قلق وتأثير سلبي على ثقة الناقد والمُشاهِد للمُسلسلات التلفزيونية والأعمال السينمائية، والتي بالغت في رسم الشخصيات التأريخية والإسلامية كشخصيات أسطورية تمتلك خصائص نادرة في عصرها حتى تم تقديسها في سُلوكها وآثارها من خلال المُدونات والسيرة التأريخية لها.

فقد يتصور البعض أننا عندما نستعرض الشخصية التأريخية في الدراما فإنه لا علاقة لها بحياة الواقع ولا بالدين على المُتلقي والمُشاهِد، وأن أمرها في الأخير يعود إلى الدار الآخرة التي سنكتشف فيها حقيقة الأمر وهذا وهمٌ كبير، فنحن لا يعنينا أن تكون تلك الشخصية مُؤمنة أو كافرة أو مُنافقة، ولا يعنينا أن تكون من أهل الجنة أو من أهل النار.

ولكن الذي يعنينا هو الآثار التي تركتها تلك الشخصية التأريخية في فهم الدين الذي نعتقده ونعيشه ونُطبقه، فهي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في بناء الفكر العقائدي والفقهي والسلوكي وتفسير القرآن ونقل الحديث وقدمت رُؤيتها في نُظم الإسلام السياسية والفقهية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

فالدراما التأريخية يترافق معها دراما الجدل والقبول والرفض حول مصداقية النص في تعامله مع الشخصية من حيث الأحداث التأريخية المحيطة بالشخصية وعلاقته بها والتفاعلات التي شاركت فيها وأدى بعضها إلى حالة صراع وانبثق من هذا الصراع مدارس واتجاهات سياسية ومذهبية وفكرية واجتماعية وفقهية وسلوكية ونتج عن ذلك أتباع ومعارضين عبر الأجيال المُتعاقبة.

وبالنظر إلى الواقع الراهن فإننا أمام اتجاهين في إنتاج وعرض الدراما التأريخية للشخصيات الإسلامية من الصحابة والتابعين والأئمة والصالحين والمُؤثرين في التأريخ الإسلامي.

ويقوم الاتجاه الأول على تقديس الشخصيات واحترام مكانتهم وعدم تقديمهم بصورة تسخر منهم أو تنتقص من شأنهم ونقل سيرتهم بدقة وحذر ،مع تجنب الروايات الضعيفة أو غير المُوثوقة التي قد تحرف تأريخهم، وعدم إثارة الفتنة والخلافات المذهبية من خلال مُعالجة شخصيات جدلية بطريقة قد تُثير الانقسامات بين المسلمين، وتجنب تصويرهم في مشاهد غير لائقة تمس هيبتهم وكرامتهم.

وأما الاتجاه الثاني والمعاكس يرى أهمية وضع الشخصيات على طاولة النقد والتشريح وتقييم دورهم والجوانب الإيجابية والسلبية في حياتهم وعدم تقديس سيرتهم ورفع الحصانة عن كل محاولة لإعادة قراءة الشخصية التأريخية بحيادية تامة بعيدة عن العواطف والتعصب والانتماء والأيدلوجية.

إلا أن كِلا طرفي الاتجاهين يبحثان عن حماية شخصياته التي يستمد جذور الأيدلوجية منها بعناية فائقة لكي لا تُوضع تحت مجهر الدراما، بل يفضل أن تكون الشخصية التأريخية التي ينتمي لها فوق مجهر الدراما، حتى تُعالج مالم تستطع كتب التأريخ مُعالجته من خلال الصورة المتحركة، فكل طرف يأمل من الدراما الجادة والناقدة أن تكشف وتُعري الشخصيات التأريخية للآخر كما كانت في بُعدها الواقعي وليس في البُعد المثالي للشخصية المتخيلة لدى محبيها.

أخيرًا سوف تبقى رسالة الأعمال الدرامية التأريخية في إثراء المعرفة بالتأريخ والوعي بأحداثه وشخصياته مستمرة، وإن قُدمت أعمالًا ينقصها الحيادية والموضوعية والحقيقة وتعدد وجهات النظر، ويكفيها أنها رغم ذلك فقد أثارت جدلًا جماهيريا واسعًا من النقد تحت المجهر لا فوقه، وطرحت قضايا تناول الشخصيات التأريخية من تحت الرماد حتى ترتقي الأعمال إلى مستوى القبول لدى فئات المشاهدين المختلفة من قُراء وكتاب وباحثين ومتخصصين وغيرهم.

التعليقات (٢) اضف تعليق

  1. ٢
    زائر

    لاحياة لمن تنادي

  2. ١
    زائر

    مقال رائع جداً

اضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>