من الخدمات المميزة والمقدمة لسكان حسناء الأحساء بالماضي خدمة تقديم اللحوم المشوية في التنانير وكانت أرضية الوضع ثم أصبحت وقافية.
ويرجع الفضل في ذلك لشخص يسمى عجيمي نقل الفكرة للأحساء من مدينة الزبير العراقية ( جمع تنور ) وهو يصنع محليا من الطين المضاف له التبن ليكسبه قوة وتماسكًا ، له قاعدة كبرى مفتوحة تبرك على الأرض وفي أعلى القاعدة فتحة صغيرة تسمح لمرور الهواء عندما كان الوقود طبيعيا من القصل ( حطب الأشجار خاصة السدر – الكنار – النبق ) والصلاخ – السجين ( جذوع النخيل ) والكرب والسعف والليف وبعد مجئ الكيروسين ( القاز ) حل محل الحطب حيث يتم تسليك ماسورة ( بيب ) ممتدة من برميل ( درام ) القاز ( الكاز ) لها مفتاح لزيادة أو تخفيض مقدار القاز الواصل للشعلة التي تشعل بالكبريت ( الشخاط ) وبالسابق يوقد التنور بالحجر الصمي.
لكن في كلا الحالتين يغطى اللحم بسعف النخيل الأخضر حتى يعطيه طعمًا ونكهة مذاقية لذيذة وفي أعلى التنور فتحة تسمح بإدخال اللحوم فوق المراكي أو العجين أثناء استخدامه لعمل الخبز حيث يتم إلصاق العجين بجدرانه بواسطة الملزقة وبعد عملية النضوج يرفع اللحم بواسطة الملقط ( الشنكال ) الحديدي كذلك الحال مع الرغيف الناضج والبعض يسميه بالمنقاش .
والتنور يتم تصنيعه في دوقة المبرز ( مصنع الفخار ) ويحرق بالنار والتنور فارسي معرب قال أبوالفتحً الهمذاني كان أصله نونور حذفوا النون فصار ونور ثم أبدلوا الواو إلى تاء فصار تنور .
وبرز في شوي اللحوم بالسوق المركزي بوسط المدينة وفي بعض البيوت رجال ونساء مهرة في فن الطهي ليتم بيعه للزبائن بأسعار زهيدة في تلك الأيام الجميلة لكون الذبائح رخيصة الثمن .
وتقدم اللحوم المشوية مع الرز ( العيش ) أو مع الخبز أو مع غز من التمور بحسب رغبة الزبون حيث يتم إعداده في الوجبات الثلاث ففي وجبة الفطور يتم تجهيز شرائح اللحم المأخوذة من العظام والكبدة والكلاوي والكراعين وبقية أعضاء الحواس مثل الرئة والطحال وكذلك المصران (الأمعاء ) والكرشة وفي وجبتي الغداء والعشاء تقدم اللحوم المشوية الكاملة والمقطعة مع الرز ( العيش ) .
وفي تلك الأيام انتشرت أصناف شتى من الرز مثل البلم – الزيرة – الفورة – الرشتي – العنبر – المزة – البشاور ، ثم استقر الذوق العام الجمعي لسكان المبرز على الرز البسمتي.
هذا وقد برز في هذه المهنة كل من الطهاة الآتية أسماؤهم :-
1- علي الشعلان
2- علي السلّام
3- عبدالعزيز بوشليبي
4- أحمد بوشليبي
5- عبدالعزيز العنبر بوعبدالرحمن في منزله بحي السياسب
6- عرجانه بنت محمد العرجان لديها تنور في منزلها الكائن شمال غرب مسجد بومنارة بالقرب من المصبغة .
وفي هذا الصدد ذكر لنا الأستاذ محمد سالم بوسحة ( بوزكي ) موقفًا لطيفًا يتمثل في أن أحد تجار التمور بالمبرز تعاقد مع عاملين لديهما بسطة وقوة في الجسم من أجل كنز التمر في المحاصن ( أوعيه لحفظ التمور ) وتقدر سعة المحصن 60 كغم تقريبا وقد عملا في ذلك اليوم وأنجز فيه الشي الكثير قبل صلاة الظهر وعندما حضر التاجر لموقع العمل استغرب من سرعة الإنجاز فدفع لهما الأجرة المتفق عليها وحتى يكافئهما طلب منهما أن يذهبا لعلي الشعلان (صاحب تنور لشوي اللحوم) وأن يأخذ كل واحد منهما أحلى من اللحم المشوي (الأحلى عبارة عن ضلعين فقط من اللحم أي كمية قليلة جدا يقدر بربع الربعة ) ( الربعة من الأوزان القديمة وهي تعادل ثلث كغم ) على حسابه وأن يأكلانه مع التمر الذي أخذاه من المحل.
لكنهما ومن شدة الجوع ولذة اللحم المشوي زادا في الكمية المتفق عليها مع التاجر وهو ( أحلى ) حيث طلبا منه الفخذين ثم اليدين ثم الضلوع بعدها طلبا الرقبة (تيس كامل صغير ) وعندما ذهب التاجر لصاحب التنور كي يحاسبه عن ذلك قال له ياعلي كم الحسيب عن الأحلى قال له ياعم قل الحساب ولاتقل الحسيب العاملان أكلا تيسًا كاملا ولم يطلبا أحلى لكل واحد منهما ثم حاسبه عن قيمة التيس ثم عاتب العاملين على صنيعهما وطلب منهما العمل لديه لمدة شهر كامل عوضا وبسبب ذلك .
أيضا هناك لطيفة أخرى روتها لنا الوالدة أمي الغالية أم ناصر ( شريفة بنت عبدالعزيز العويشير ) حفظها الله وأطال في عمرها على طاعته عزوجل تتمثل أن أحد الأعيان لديه غداء لضيوفه وبعد صلاة الظهر أحضر نصف ذبيحة غنم (شاة ) وقدم القهوة للضيوف وانتظر بعدها حتى يكتمل العدد فما كان من زوجته إلا أنها لم تقاوم رائحة الشواء فأخذت تمزع يمنة ويسرة في اللحم فقط والرز لم تمسه فلم يبق من النصف إلا الفخذ أما اليد والجنب فأصبحا أثرا بعد عين وبعد أن حضر كافة المدعويين طلب من زوجته أن تعد السفرة فأخبرته بما قامت به تجاه اللحم المشوي ولم يبق إلا الفخذ فطلب منها السكوت وذهب للسوق وأحضر نصفا آخر تحت حراسته المشددة وقدمه للضيوف وبعد خروجهم أمر زوجته بإعداد دلة قهوة وطلب منها أن تشربها كاملة حتى لاتضرها كمية اللحم التي أكلته . عزيزي القارئ تخيل بماذا نتصرف حال أن هذه الحادثة حدثت لنا في هذه الأيام .
رحم الله من رحل ممن حضر تلك الأيام الجميلة وأطال الله عمر من بقي وجزاهم الله خير الجزاء على ماقدموه من خدمات للمجتمع وجعل ذلك في ميزان حسناتهم .
المصادر:-
1- كتاب ألعاب وحرف في الأحساء .للباحث المهندس / صالح عبدالوهاب الموسى .
2- المعجم الاثنوغرافي تأليف د سعيد عبدالله الوايل .
3- مجموعة من الرواة .
شكر خاص لكل من :-
1- أ/ خالد عبدالله إبراهيم الحليبي ( بوعبدالله ).
2- أ/ وليد سليم محمد السليم ( بوعبدالمجيد ) .
جزاك الله خير يا بو أسعد فقد أمتعتنا بما كتبت ونشرت من موضوعات رائعة وجميلة ومفيدة عن عاداتنا وتقاليدنا التي تتميز بها الأحساء وما فيها من أصالة وعراقة وتاريخ وتراث وحضارة يجب المحافظة عليه وتدوينه في كتب تهتم وتحافظ على التراث الشعبي الأصيل .
ماشاءالله تبارك الله ، ذاكرة الاحساء غنية باشياء كثيرة ظهر منها ظهر وباقي منها مالم يرا النور بعد ولكن الامل معقود على كثير من الباحثين المتخصصين فى الاحساء من تراث ومخطوطات ووثائق قديمة وعادات وتقاليد المناطق الاحسائية والعوائل الاحسائية اللتى عاشت على مر الازمان، وفق الله الجميع وحفظ الله الاحساء ومملكتنا الحبيبة وحكامها وشعبها من كل سواء وجميع بلاد المسلمين.
اخوكم ومحبكم صالح العواد
مشاركه جميله ولطيفة تخلل هذه المشاركه الطرف الطيفه من اصحاب فضلاء وشكواك يااستاذ صالح علي الجهود المباركه واهتمامك الجيد للحصول علي معلومات قيمه وصادقه وعرضها بطريقه مشوقه وممتعه وفق الله وبارك الله في جهودك