تعد المرونة والتطور المستمر من أبرز مزايا العقل البشري التي حبانا بها الله عز وجل تباعًا لمراحل النمو المختلفة، كذلك الموهبة والتي عادة ما تظهر في سن مبكرة على صورة قدرة عالية في مجال أو أكثر مما يدعو الطلبة ذوي الموهبة لوضع أنفسهم في مهن يرون أنها تحقق لهم الرضا الذاتي منذ سن مبكرة.
على الرغم من ذلك نجد أن الاختيار المهني قد يشكل تحديًا كبيرًا لهم مقارنة بأقرانهم نظرًا لما يحملونه على عاتقهم من مسؤولية تجاه إرضاء تطلعات الوالدين وحساسيتهم العالية تجاه القضايا العالمية والبيئية وتحقيقًا للحظي بمكانة عالية في المجتمع تخضع لمعايير النجاح الاجتماعي دون النظر للفروق الفردية أو الرغبات والميول الشخصية.
تشير الكثير من الدراسات إلى ما يتمتع به الطلبة ذوي الموهبة من تقدير مرتفع لذواتهم وخصائص انفعالية تميزهم عن غيرهم من أقرانهم، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول ارتباط درجة الذكاء العاطفي لدى الطلبة ذوي الموهبة باختياراتهم المهنية لاسيما في عصر التسارع التقني والصناعي والمعلوماتي الذي نعيشه والذي يسهم في تغير وتداخل وتكامل العلوم والتخصصات.
الذكاء العاطفي لدى الطلبة ذوي الموهبة
ظهرت عدة تعريفات ونظريات للذكاء العاطفي، وانقسمت وجهات النظر حول مفهومه إلى قسمين:
القسم الأول: يرى أن الذكاء العاطفي هو قدرة الشخص على فهم انفعالاته الذاتية وتحديدها والتحكم بها وفق ما يدركه من انفعالات الآخرين وما يفهم من مشاعرهم وقدرته على مشاركتهم وجدانيًا والتواصل معهم بنجاح.
القسم الثاني: يرى أنها مجموعة من المهارات الانفعالية والاجتماعية، التي يتمتع بها الفرد في التفاعلات المهنية لضرورتها للنجاح في مواقف الحياة المختلفة.
وللذكاء العاطفي عدد من النظريات والنماذج منها نظرية ماير وسالوفي ونظرية بار أون للذكاء العاطفي ونموذج دانيال جولمان.
حيث قسمت بار أون الذكاء العاطفي إلى خمس كفاءات لا معرفية هي: كفاءة لا معرفية ذاتية تعتمد على المكونات الشخصية للفرد، وكفاءات ضرورية لعلاقات الفرد بالآخرين، وكفاءات التوافق والتي تتمثل في قدرة الفرد على التفاعل مع معطيات الحياة بنجاح وتحقيق التوازن، وكفاءة القدرة على إدارة الضغوط وضبط التوتر، وكفاءة التحكم بالمزاج العام.
كما اعتمد جولمان في نموذجه للذكاء الاجتماعي على خمسة أبعاد تم تصنيفها في مكونين رئيسين هما: المكونات الشخصية والمكونات الاجتماعية حيث تشتمل المكونات الشخصية على ثلاثة أبعاد: الوعي بالذات، إدارة الانفعالات، وتحفيز الذات. كما تشتمل المكونات الاجتماعية على بعدين هما: التعاطف والمهارات الاجتماعية.
هناك مؤشرات تُظهر ما ينفرد به الطلبة ذوي الموهبة من خصائص عاطفية تميزهم عن غيرهم والتي ليس بالضرورة أن تكون كلها ذات اتجاه إيجابي، منها أنهم:
1. لديهم قدرة على التكيف الاجتماعي تفوق أقرانهم.
2. يتمتعون بقدر من المرونة تجاه تقبل التغيرات في المواقف المختلفة.
3. لديهم اتزان انفعالي يؤهلهم لمواجهة المشكلات وقدرة للتعامل معها.
4. شديدي التحيز تجاه قناعاتهم وآرائهم الشخصية.
5. يميلون إلى الخيال وليس بالضرورة أن يشاركوا أفكارهم مع الآخرين.
6. مهتمون للدقة في العمل وحريصون على اتقان مهامهم وانهائها في وقتها.
7. لديهم إرادة قوية لتحقيق أهدافهم.
8. لديهم حساسية عالية تجاه كل ما يحيط بهم.
9. يتمتعون بحس الفكاهة ولديهم قدرة على التسامح.
10. لديهم قدرات قيادية ونضج أخلاقي مبكر.
11. يميلون إلى المثالية والسعي نحو الكمال في كل أمورهم الشخصية وما يقومون به من عمل.
لعل الهدف من إيراد تعريفات ونظريات الذكاء العاطفي وذكر ما يمتلكه الطلبة ذوي الموهبة من خصائص مختلفة تميزهم عن غيرهم هو توضيح للتعقيد الذي قد يواجه الطلبة ذوي الموهبة في تحديد اختياراتهم المهنية، مقابل ما يمتلكون من نقاط قوة تميز شخصياتهم وتمكنهم من اتخاذ القرار المناسب.
حيث تظهر عدد من الدراسات بأن هناك علاقة إيجابية بين مكونات الكفاءة الذاتية عند الطلبة ذوي الموهبة كأحد مؤشرات الذكاء العاطفي وبين قدرتهم على اتخاذ القرار في اختيارهم المهني.
الكفاءة الذاتية كأحد مكونات الذكاء العاطفي
شهدت الكفاءة الذاتية أبحاث وتجارب عدة في تعليم الطلبة ذوي الموهبة، حيث تمثل اعتقاد الفرد في قدرته على أداء السلوك الذي يحقق من خلاله الأهداف المرغوبة وإيمانه بمدى تعلمه وإنجازه للمهام بنجاح، كما تتفاعل الكفاءة الذاتية مع معطيات الحياة الأمر الذي يجعل الأفراد الذي يتمتعون بكفاءة ذاتية عالية هم الأقدر على التحكم بالظروف المحيطة بهم وبالتالي إدارة تلك المعطيات بحكمة محققًا استقرار واتزان عاطفي له وللبيئة المحيطة به.
هناك خصائص تميز الأفراد ذوي الكفاءة الذاتية العالية، منها:
1. لديهم اعتقاد تجاه قدرتهم على تغيير ما يحيط بهم من ظروف.
2. يضعون خطط جيدة لتحقيق أهدافهم ولديهم دافعية للتنفيذ.
3. قادرين على التحكم في سلوكهم وتغييره نحو تحقيق الهدف.
4. طموحين ويميلون لاختيار التحديات المعقدة ولديهم قدرة على بذل مجهود كبير في سبيل تحقيق أهدافهم.
5. لديهم قدرة عالية على التحليل والتفكير العميق في المشكلات للوصول بها الى حل.
6. إيجابيون ولديهم ثقة عالية في أنفسهم وتقديرات عالية لذواتهم.
7. اجتماعيون وعلاقاتهم بالآخرين جيدة وهم حريصون على بناء العلاقات الجديدة.
8. لديهم قدرة عالية في اتخاذ القرار والبت في الأمور.
9. يستطيعون التعامل مع الضغوط سواء الشخصية أو المحيطة بهم.
10. ينشغلون دائمًا بنقاط القوة لديهم ويستطيعون تعزيزها.
11. لديهم قدرة عالية على التنبؤ لذا فهم يجيدون التخطيط للمستقبل.
12. يجيدون الاختيار المهني الذي يتناسب مع قدراتهم وقادرين على الاستكشاف حول المجالات المهنية التي تناسبهم وتنمية قدراتهم تجاهها.
13. متفائلون حول المستقبل بصورة عامة وعلى مستقبلهم الشخصي نتيجة إيمانهم في قدرتهم على التغيير.
إن معرفة الفرد بنقاط القوة لديه وما يتميز به من خصائص تجعله قادر على تحديد حاجاته، ومما لا شك فيه بأنه هنا بحاجة للمساعدة في البحث عما يعزز به معرفته ومهاراته، وكغيرهم من فئات المجتمع فإن الطلبة ذوي الموهوبة بحاجة إلى المساعدة من خلال تقديم خدمات الإرشاد الأكاديمي والنفسي والاجتماعي وهم بحاجة أيضًا إلى الارشاد في الجانب المهني.
حيث يقوم المستشار أو المرشد المدرسي بدوره في تقديم الدعم اللازم وتوجيه الطلبة ذوي الموهبة التوجيه الصحيح نحو ما يمكنهم معرفيًا ومهاريًا بالمجالات المهنية المتاحة مع عدم اغفال ميولهم وخلق الاتزان بين مصالحهم الشخصية والمصالح المجتمعية الأخرى.
طرق تنمية الذكاء العاطفي
يمكن العمل على زيادة مهارات الذكاء العاطفي بطرق عديدة منها:
1. الانضمام للبرامج التدريبية والإثرائية المقدمة للطلبة ذوي الموهبة والتي تشتمل على مهارات عالية.
2. المشاركة ضمن الأعمال التطوعية والمجتمعية.
3. الانضمام للملتقيات المهنية.
4. المشاركة في الأعمال التي تتطلب فرق العمل وممارسة المهام القيادية.
5. ممارسة المهام التي تتطلب اتخاذ القرار.
6. ممارسة التخطيط على مستوى التخطيط الشخصي وتصميم خطط العمل.
7. ممارسة التنبؤ والتخطيط للمهام المستقبلية.
8. العمل على المشاريع والمهام التي تتطلب حل المشكلات المعقدة والمستقبلية.
يتمتع الطلبة ذوي الموهبة بمهارات تدفعهم دائمًا للبحث عن التميز كما يميلون لاختيار المهنة التي تجعلهم أكثر سعادة نتيجة الوعي الذاتي لديهم وهذا يجعل مهارات الذكاء العاطفي تتطور لديهم بسهولة وبشكل طبيعي لاسيما وأنها مطلب أساسي في مهن المستقبل وتطويرها يُعد أمرًا حيويًا لنجاح الفرد في اختياره لمهنته ومسيرته المهنية.
المراجع
البريزات، ابتسام. (2016). نظرية جولمان للذكاء الإنفعالي.رسالة المعلم، 53 ,(1) – 65، 68 .مسترجع من http//:search.mandumah.com/Record/7
جروان، فتحي. (2013). أساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهم. دار الفكر. ط (3).
فضل السيد، عثمان فضل السيد أحمد. (2022). نظرية الكفاءة الذاتية المدركة: أرقى نظريات المنحى الاجتماعي المعرفي.مجلة التأصيل، ع-3 183 ، .211 مسترجع من http//:search.mandumah.com/Record1297473/
القوابعة، مالك. الزغاليل، أحمد. (2021). فاعلية برنامج إرشادي عقلاني انفعالي في خفض مستوى الكمالية وتنمية الذكاء الانفعالي لدى الطلبة الموهوبين أكاديميا (رسالة دكتوراه غير منشورة). جامعة مؤتة، مؤتة. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/1214417
مقال رائع
مقال جميل
بورك القلم وصاحب القلم ونفع به .. كلام جميل 👏🏻