مجالات خيرية عديدة تفردت بها المملكة العربية السعودية، فكانت الدولة السبّاقة التي يُشار إليها بالبنان في كل عمل خيري وإنساني وإغاثي، تسابق الكل، ولا تبتغي جزاءً ولا شكوراً إلا الأجر والثواب الكبير من الله جل وعلا.
ومن تلك المجالات الرائدة التي أحرزت فيها المملكة قصب السبق هو مجال فصل التوائم السيامية، حيث استطاعت المملكة بحمد الله تحقيق الريادة العالمية والإشادة الدولية من قبل الدول والمنظمات ذوات العلاقة، فضلاً عن أهالي التوائم السيامية.
فعلى امتداد 32 عاماً نجح البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية في تسطير الإنجازات تلو الإنجازات من خلال إجرائه 54 عملية فصل ناجعة للتوائم السيامية، بدأت باكورة تلكم العمليات التي ينفذها المركز بقيادة معالي المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية رئيس الفريق الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الربيعة في 31 ديسمبر 1990م، لتستمر تلكم النجاحات حتى اليوم، حيث قيّم البرنامج منذ تأسيسه 127 توأماً سيامياً من23 دولة، في 3 قارات، وأجرى 54 عملية جراحية ناجعة لفصل التوائم السيامية والطفيلية، آخرهم التوأم السيامي العراقي “علي وعمر”.
وعدّ الدكتور الربيعة في لقاء مع “واس” أن المسيرة الحقيقية لعمليات فصل التوائم بدأت منذ عملية التوأم السوداني (سماح وهبة) في العام 1992م، التي رافقها تشكيل فريق متخصص لمثل هذه العمليات، وتكللت العملية بفضل من الله ومنّة بالنجاح، حيث عاشت (سماح وهبة) في المملكة واستكملتا دراستهما في الجامعة، وحالياً أنهيتا مرحلة الماجستير.
وانطلاقاً من دور المملكة الإنساني، دأبت على استقبال التوائم السيامية بغض النظر عن العرق أو الانتماء، لرفع المعاناة التي يعيشها التوائم السيامية وذويهم، وهذا ديدن المملكة حيث ضربت – ولا تزال – أروع الأمثلة في تلبية نداءات أهالي التوائم، والتخفيف من معاناتهم التي يمرون بها، حتى أضحت المملكة موئلاً لهم.
وعلمياً لا توجد أسباب محددة لـ التوائم الملتصقة، إلا أن ما توصل إليه العلم – بحسب الدكتور الربيعة – يبرهن على أن التوائم الملتصقة لا تحدث إلا في المرأة التي تولد توائم متطابقة من بويضة واحدة وبشكل وراثي، وهذا يحدث بنسبة نادرة وضئيلة جدًا هي واحد في الألف.
وتزيد نسبة حمل التوائم الملتصقة كلما كان لون الجلد أكثر غمقًا؛ ففي أفريقيا نسبة إنجاب التوائم المتطابقة أعلى منها في أوروبا، والجنوبية منها أكثر من الشمالية، ومن الضروري أن تراجع الحامل طبيبها بشكل دوري منذ بداية الحمل، وتطمئن على سلامة جنينها وصحتها، لأن اكتشاف التوائم في بداية الحمل له مسار خاص، وفي حالات كثيرة يمكن أن يُكتشف تلاصق التوائم في الأسبوع الثامن والتاسع من الحمل، ويمكن عندها معرفة هل يضر بحالة الأم الصحية أم لا.
ومن نافلة القول: إن تبعات التوائم السياميّة الطبية والإنسانية والاجتماعية ثقيلة على قلب كل أب وأم حينما ينظران بحسرة وألم لحالة طفليهما اللذين خرجا بهما إلى الدنيا وهما يحملان الأمراض والتشوهات، إلا أن البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية أعاد – بعد توفيق الله – الأمل إلى هذه الحالات الإنسانية، وبث روح التفاؤل بمستقبل صحي مشرق، مزيحاً عن كاهل ذوي التوائم الملتصقة قلقاً وخوفاً وغماً وهماً.
وعن آلية تقييم حالة التوائم السيامية وماذا تحتاج إليه، يقول الدكتور الربيعة: إن البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية يقيّم كل توأم على حدة، حسب حالته ووضعه الصحي، لمعرفة الأعضاء المشتركة وحالتها، وعلى أثر ذلك يتم تحديد الفريق الطبي المشارك في العملية، فمثلاً يكون الالتصاق في الصدر فيتم تحديد الفريق المتخصص في الصدر، وأحيانا في العمود الفقري فيتم اختيار الفريق المتخصص في ذلك المجال، وهكذا يتم تحديد كل حالة حسب أماكن الالتصاقات في أعضاء التوأم، واستشعاراً من المملكة بأهمية ذلك جمعت تلك التخصصات في مكان واحد.
وفي هذا الصدد تمكن البرنامج من إجراء 54 عملية فصل ناجعة للتوائم السيامية، حيث تزخر المملكة بكفاءات طبية وطنية عالية المستوى، وتجهيزات وأجهزة حديثة، وفق آخر ما توصل إليه العلم في هذا المجال الجراحي الدقيق.
ومن البديهي أن التوائم السيامية تحتاج إلى كثير من الأمور بعد إجراء عملية الفصل منها: المتابعة الدورية لوجود متغيرات فيزيائية تحتاج إلى استمرار متابعة الفريق الطبي الذي أجرى العملية، وفي حالة كان التوأم يعيش في بلد آخر من الضروري التواصل مع الفريق المختص المشرف على العملية، كما يشكل الجانب النفسي أهمية كبرى للتوأم الملتصق، فهناك ما يسمى بـ “صدمة الانفصال ما بعد العملية”، خصوصاً أنهما اعتادا وهما في بطن أمهما وبعد ولادتهما خلال شهورهما الأولى على التصاقهما، لذلك كلما زادت المدة قبل العملية زاد الرابط النفسي بين التوائم.
كما يحتاج التوأم إلى اشتراكهما في غرفة واحدة، وجعلهما قريبين من بعضهما، فمن المهم بمكان أن يكون الفصل تدريجياً وليس بشكل مفاجئ، وهذا ما يفعله الفريق النفسي المتخصص ضمن الفريق الطبي للبرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية.
ومع زيادة الخبرة السعودية في التعامل مع التوائم السيامية، توسعت الرؤى والأهداف، ولم تقف عند التدخلات الطبية فحسب، بل من خلال إنشاء برنامج وطني شامل “إنسانياً – علمياً”، متخصص في فصل التوائم المتلاصقة، وليس مجرد عملية جراحية؛ ليكون من العلامات الفارقة للمملكة عالمياً، حيث يعد البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية الوحيد من نوعه على مستوى العالم الذي يتكفل بجميع نفقات العملية والعلاج والتأهيل لما بعد العملية، إلى جانب استضافة والدي التوائم القادمين من الخارج؛ ليكونوا بالقرب من أبنائهم والاطمئنان عليهم طوال فترة الرعاية الطبية.
ولكون المملكة تروم المعالي في كل مجال، ومنها المجال الإنساني لفصل التوائم السيامية، فإن البرنامج مستمرٌ في إضافة الكوادر الطبية والوطنية في كل عملية جديدة، حيث يملك فريقاً أول وثانياً وصفاً ثالثاً، علاوة على تقديم نخبة من الأطباء السعوديين محاضرات علمية، ونشر بحوث متعلقة بفصل التوائم في عديد من الدول.
وتعكس تلك النتائج المستوى والكفاءة الكبيرين اللذين بلغتهما المملكة في ذلك التخصص الجراحي الدقيق، كما تعكس حجم الخبرة والدراية التي باتت تمتلكها المملكة في مجال فصل التوائم السيامية، ولا تقتصر ريادة المملكة فيه على الريادة الطبية فحسب، وإنما الريادة الإنسانية أيضاً، إذ يحظى البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية باهتمام مباشر من قيادة المملكة، التي تُصدر التوجيهات باستقبال حالات التوائم، وإجراء العمليات الجراحية لها، وتنفرد حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – دون غيرها بمنح هذا الاهتمام الإنساني لحالات التوائم السيامية في العالم، ويُعد البرنامج جزءًا من جهود المملكة في مجالات العمل الإنساني على المستوى الدولي.