قدّمت أستاذة الأدب والنقد المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك عبدالعزيز، الدكتورة رانية العرضاوي، ندوة بعنوان «الفلسفة للجميع: كيف نقرأ الفلسفة اليوم؟»، في معرض جدة للكتاب 2025، وذلك ضمن البرنامج الثقافي الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة في مركز جدة سوبر دوم تحت شعار «جدة تقرأ».
الفلسفة وجودة الحياة
وعلى هامش الندوة، أجرت «الواحة نيوز» لقاءً مع الدكتورة العرضاوي، أوضحت خلاله أن السؤال عن كيفية تحويل الفلسفة إلى ممارسة تُسهم في تحقيق جودة الحياة، يبدو على بساطته صعبَ الجواب، لأنه يبسّط ما هو في أصل وجوده منوط بفكّ الأسئلة الكبرى التي حيّرت الإنسان منذ القدم، ومنها بدأ يحاول فهم الكون والحياة، وإيجاد إجابات لكل ما هو غامض ومستعصٍ على الفهم والتفسير.
وأضافت: لذلك يكون تحويل الفلسفة إلى الحياة العملية هو في حقيقته إظهار ضرورة الفلسفة في تجويد حياة الإنسان عبر مساعدته في حل مشكلاته اليومية، وذلك من خلال دفعه للتساؤل والنقد والتعليل وتفكيك المركّب الذي يعرقل جودة الحياة. وربما يكون إنزال اللغة الفلسفية من علياء التركيب إلى بساطة العملي، الذي يبسّط عثرات اليومي، هو ما يحقق فعليًا جودة الحياة.
طبيعة التفلسف
وبيّنت أن التفلسف هو فعل يعتمد على عناصر أساسية يمكن تلخيصها في التأمّل والتساؤل والمقارنة، ومن ثمّ التعليل والوصول إلى التفكير الناقد الذي يُظهر تحسين الأمور بإيجاد المفاهيم وتطويرها، وهو الفعل الإنساني الذي لا مفرّ من ممارسته للوصول إلى التعايش مع مجريات ومتغيرات الكون عبر الزمن؛ بل وبناء المجتمعات الحضارية القادرة على التطوير والتفاعل والتعايش مع بعضها بعضًا.
تفعيل الفلسفة المقارنة
ولفتت النظر إلى حاجة المجتمعات اليوم إلى الفلسفة المقارنة أكثر من أي وقت مضى، فهي طريق البشرية لاستيعاب خصوصية الثقافات المختلفة وتنوّعها، ومراعاة الاختلاف ليكون الائتلاف، ومن ثمّ من خلال المقارنة يكون استيعاب الآخر المختلف، والحفاظ على الجذور التراثية والهوية التي تشكّل طبيعة كل مجتمع وتصنع وجوده الخاص، الذي لا يحرمه في الوقت نفسه من الانفتاح على الموجودات الأخرى.
تجاوز الوعي إلى فكرة الفلسفة الكونية
ولا ترى أن القبول المطلق للفلسفة الكونية أمرٌ صحيّ فلسفيًا؛ فإن كانت الإنسانية تتقاطع مع مفاهيم عامة حول الحق والباطل والخير والشر، فإن ذلك يعني قبولها كل تبعات هذه المفاهيم التي باتت متغيّرة اليوم. لذلك علينا أن نكون في وعي تام عند الأخذ بمفهوم الفلسفة الكونية، فقد يظن بعض المتلقين لها أنهم على حافة فقد الهوية والخصوصية التي يتمتع بها كل مجتمع وكل ثقافة. لذا، لا بد من الوعي الكامل بطبيعة المتغيرات التي تأكل هذا المفهوم وتجعله غير واقعي.
أهمية الفلسفة الفكرية والمعرفية
وأكدت أن الفلسفة تقود إلى تشكيل الفكر والمعرفة، ولا توجد معارف بدون تفلسف؛ فالمعارف والفكر بشكل عام تتّقد من التفلسف والتساؤل والتأمل والتفكير الناقد، ومن ثم لا توجد معرفة لم تنشأ من جذوة الفلسفة.
وفي التيارات والمذاهب الفلسفية المتعددة عبر الأزمنة، الكثير من النظريات التي تحولت إلى علوم ومعارف محددة متعلقة باللغة والفن، وحتى العلوم التجريبية والطبيعية، ما يثبت أن التفلسف هو أساس وجودها أولًا.
انفتاح المجتمع السعودي على الفلسفة
وقالت: إن المجتمع السعودي اليوم في عصر ذهبي، يشهد انفتاحًا كبيرًا وملحوظًا تجاه الفلسفة، وتكوّنت في السنوات الأخيرة أرض فلسفية نابضة بحراك مؤسسي، ظهر في حراك رعته وزارة الثقافة ممثلةً في هيئة الأدب والنشر والترجمة من جهة، وفي المؤسسات الأهلية كجمعية الفلسفة السعودية مثلًا، إذ قدّمت للمهتمين بالفلسفة فرص التوسّع والتعلّم والتطوّر الفلسفي الرصين.
اختمار الفلسفة
ومما لا شك فيه أن الفلسفة تحتاج إلى الاختمار المعرفي الزمني، وهي ليست موجة ثقافية عابرة يمكن أن تُقدَّم في كبسولات أقوال أو ترداد لأقوال فلاسفة دون نقدها ومراجعتها. لذلك، أمام المجتمع السعودي اليوم مهمة تحتاج إلى الوعي والعمق في الطرح، لتثبيت البصمة السعودية الفلسفية والوقوف على ساقها بين مصاف العقول العالمية، والمجتمع السعودي قادر على ذلك بما لديه من هِمّة شبابه وأسس خبرائه في نطاق الفلسفة.
محتوى جميل وخالٍ من الأخطاء الإملائية.